مبادرة الحزام والطريق: منصة استراتيجية لتعزيز المناطق الصناعية الصينية

مبادرة الحزام والطريق: منصة استراتيجية لتعزيز المناطق الصناعية الصينية

في إطار جهود مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء لرصد وتحليل التجارب الدولية ذات الصلة بالشأن المصري، سلط المركز الضوء على التجربة الصينية في إنشاء المناطق الصناعية، حيث تعد هذه المناطق ركيزة أساسية في استراتيجيات التنمية الاقتصادية الحديثة، إذ تعمل كمراكز جاذبة للاستثمارات، ومحفزات للإنتاج، ومختبرات للسياسات الاقتصادية.

لقد أدركت العديد من الدول أهمية هذه المناطق في تسريع وتيرة النمو، إلا أن تجربة الصين تبرز كنموذج فريد بفضل حجمها وسرعة تحولها وقدرتها على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية والبيئية العالمية، إذ انتقلت من اقتصاد زراعي إلى ثاني أكبر اقتصاد عالمي و”مصنع العالم”، مما جعلها قوة اقتصادية كبرى على الساحة العالمية.

أثبتت هذه المناطق داخل الصين قدرتها على جذب الاستثمارات وتحفيز النمو ودفع عجلة الابتكار، مما ساهم في التحول التدريجي نحو نموذج تنموي أكثر استدامة، حيث نجحت الصين من خلال سياسات مرنة واستثمارات ضخمة في البنية التحتية وتركيز استراتيجي على الصناعات الناشئة في تحويل اقتصادها من الاعتماد على التصنيع كثيف العمالة إلى قوة عالمية في التكنولوجيا والابتكار.

جاء هذا التحول الجذري مع انتشال نحو 700 مليون شخص من الفقر، لتصبح الصين حاليًا ثاني أكبر اقتصاد عالمي وأكبر دولة صناعية وتجارية، متصدرة دول العالم في احتياطي العملات الأجنبية. بدأت الصين رحلتها التنموية في أواخر السبعينيات من القرن الماضي من خلال سياسة “الإصلاح والانفتاح”، حيث كانت المناطق الاقتصادية الخاصة هي الشرارة الأولى التي أطلقت تحولًا اقتصاديًّا غير مسبوق، وأثبتت نجاحها لتصبح نماذج يحتذى بها لبقية البلاد.

استعرض مركز المعلومات النمو الهائل الذي شهدته الصين في عدد المناطق الصناعية، والتي بلغت حوالي 403 منطقة صناعية وطنية، تساهم بنحو 25% من الناتج المحلي الإجمالي للصين، مما يعكس استراتيجية ديناميكية للتنمية الاقتصادية، حيث تتسم المدن والمناطق الصناعية في الصين بتخصصات صناعية واضحة، مما يعزز الكفاءة ويخلق تجمعات صناعية متكاملة.

تضمن التقرير استعراضًا لعدد من هذه المناطق مثل شنتشن، التي أصبحت واحدة من أولى المناطق الاقتصادية الخاصة في عام 1979، ونجحت في جذب أعداد متزايدة من الباحثين عن فرص العمل، بينما كانت معظم المدن الصينية لا تزال في مراحل تطوير قاعدتها الصناعية، كما تطرق التقرير إلى منطقة شنغهاي التي تحتضن عددًا من الصناعات الراقية مثل الدوائر المتكاملة والصناعات الدوائية الحيوية.

وتحدث التقرير أيضًا عن منطقة تيانجين التي أصبحت منطقة اقتصادية خاصة في عام 2009، حيث تحتضن مبادرات ابتكارية في مجالات مثل الرقائق الإلكترونية والعلاج بالخلايا، وأكد على أهمية منطقة قوانغتشو كمركز رئيسي لمستحضرات التجميل والمجوهرات.

وفي إطار تطور المناطق الصناعية، انتقلت الصين تدريجيًّا من نموذج التصنيع كثيف العمالة إلى التركيز على الصناعات عالية التقنية وذات القيمة المضافة العالية، حيث تبنت مفهوم “القوى الإنتاجية النوعية الجديدة” الذي يركز على تطوير صناعات استراتيجية مثل تكنولوجيا المعلومات والمواد الجديدة.

أشار التقرير إلى أن المناطق التنموية في الصين تعتبر من أهم أدوات السياسة الاقتصادية التي استخدمتها لتعزيز التنمية وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث وفرت الحكومة لها دعمًا كبيرًا عبر تطوير البنية التحتية وتقديم الحوافز التفضيلية، وقد ساهمت هذه المناطق في تعزيز كفاءة استخدام الأراضي الصناعية، رغم وجود حاجة لتطوير أطر نظرية وسياسات تقييم شاملة لضمان الاستخدام الأمثل للأراضي.

تُمثل تجربة الصين نموذجًا مهمًا للدول الساعية للاستفادة من المناطق الصناعية كأداة لتحقيق التنمية، إلا أنها تبرز أيضًا ضرورة التوازن بين التوسع الصناعي وكفاءة استخدام الموارد واستدامة النمو. كما تسعى الصين إلى تطوير منصات متكاملة وأنظمة دعم داخل المناطق الصناعية لتسهيل عملية الابتكار وتسريع تحويل الإنجازات العلمية إلى منتجات قابلة للتسويق.

على الرغم من النجاحات البارزة، تواجه تجربة الصين تحديات معقدة، تشمل الإرث البيئي الناتج عن النمو الصناعي السريع، وقضايا العمالة وتأثير الأتمتة، بالإضافة إلى فجوات تنفيذ السياسات ومشكلة الطاقة الإنتاجية الفائضة.

لكن في المقابل، تبرز الفرص المتاحة للصين في المناطق الصناعية، مثل تعزيز الابتكار والتنمية عالية الجودة عبر التركيز على صناعات استراتيجية، ومبادرة الحزام والطريق التي تمثل منصة رئيسة لتوسيع النفوذ الاقتصادي.

تسعى الصين أيضًا إلى دمج التقنيات الذكية في التخطيط الحضري والإدارة الصناعية، مما يعزز الكفاءة ويخفض الانبعاثات، ويعمل على تطوير المدن الذكية، كما تستثمر في تنمية المواهب والابتكار من خلال مختبرات الذكاء الاصطناعي ومناطق الابتكار التجريبية.

تتمثل الرؤية المستقبلية للصين في تعزيز الابتكار المستمر والتخطيط طويل الأمد، مما يعيد تشكيل نموذج التنمية الصناعية ليصبح أكثر ابتكارًا واستدامة وتكاملًا مع البيئة الحضرية، ما يعزز مكانتها كنموذج عالمي للتنمية الخضراء.

Google News تابعوا آخر أخبار أخبار الدليل المصري عبر Google News